فى القرية الصغيرة

(أفــراح)ليلة زفافي كانت ليلة متواضعة للغاية كانت غير ليلة كتب الكتاب॥ في كتب كتابي كان باب شارعنا يزدان ببوابة كبرى عليها كل أعلام الزينة والرايات الخضراء ولمبات تخطف كل الأبصار وفي منزلنا قبع الطباخ يطبخ كان أول طباخ يدخل للشارع منذ أن مات الجد الأكبر "سيدي محمد" ونينه ام على ونينه" وداد" ।قاطعنا الأفراح وتوارت في عينينا الأمنيات لكن الفرح يطل برأسه وينادي الأطفال الأيتام ماتت أمي لكنني سأتزوج ابن العمدة "عادل" بجماله وشياكته الفتاكة وكل عيون الجيران تحسد "زيزي" حلوة صحيح لكن عريس المستقبل أحلى وجاؤا بعدسة تصوير أبيض وأسود صنعوا للصورة أجمل برواز ذهبي॥ آه لو كانت أمي تعيش تلك اللحظة لكانت طارت من فرحتها فالحزن من أجلي هد صحتها وأرق منامها وحرمها من الأفراح فارتاحت من كل عذابات الكون الكامن في عيونها॥ كان الفاصل ما بين كتب كتابي وزفافي تقريباً عام॥ يوم زفافي أتذكره في عيد الفن 10/8 من عام 1978 في هذا العام أطل علينا بنظارته البللورية وكلماته التي تفتح كل الأبواب في الأمل الضائع॥ حمل إلينا انتصار أكتوبر وصار بطلاً في لحظة توحد كل الرؤساء والملوك ليكونوا رموزاً رائعة للأوطان॥ أنور السادات بكل الفطنة والحنكة والإخلاص لمصر يعلن سأزور إسرائيل العالم ما بين مصدق ومكذب ما بين حاقد وحبيب العالم أصبح بركاناً يغلي قالوا॥ خاب॥ غاب وعاد بخيبته الكبرى يحمل في جيبه ورقاً॥ أختاماً ومعاهدات صلح قد صرنا نحن وإسرائيل حبايب يا للعار॥ قالوا خائب يستحق ضرب النار॥تركت ضرب النار والمصدقين والمكذبين والحاقدين لأتفرغ ليوم عرسي الهادئ في القرية الفطرية المحمومة بصراع الفلاحين على المال والسلطة الجاه وفوق كنبة خشبية صنعوا مقعدين من الخيزران مقعد للعروسة ومقعد للعريس وشجرة من جريد موضوعة فوق ملاءة سرير في وسط الدار وبعض النسوة ملتفات بالطرح السمراء الموضوعة فوق الإيشاربات الصوفية الملونة راحت بعض النسوة تزغرد والبعض الآخر راح يغني في سخرية "وضحكنا عليكوا وخدناها" من ضحك علي من..؟!! لقد جهزني أبي جهازاً كبيراً لم ينقصني شيئاً رصت سعدية بطل زوجة عمي الأكواب في نيش السفرة وفوق الشماعات علقت زينب زوجة أبي كل الفساتين الغالية وقمصان النوم رصتها في الدولاب.. وعمتي آمنة فرشت سريري بالطقم الربس الأحمر وتدلت من أعلى البلتكانة ستارة حمراء بلون المفرش.. كانت شقتي تزدان بكل ما يجعلها جميلة شقة متسعة تتألق مثل عروسة ليلة دخلتها كل شيء غني في تلك الليلة حتى كاد خالي محمد ليصفق من فرط الفرحة المحمومة بيديه صعدت إلى شقتي بالدور العلوي.. منحوني قطعاً من السكر تحت لساني حملوا ذيل الفستان والطرحة الواصلة لما بعد الكعبين فرحت كل نساء الأسرة إلا السلفات قالوا من البندر سوف تراوغنا وتهرب من أعمال الدار سبع بنات جئن من البندر هذا العام لم تبق منهن واحدة اتكلوا من حيث جاء بهن العرسان لم تفلح واحدة في حلب بهيمة أو حش البرسيم او حتى كنس الدار ضحكت كل النسوة قالوا أنأكل حلوى المطرية والسمك البوري.. ونفرح بالقراميط حين تتلعبط في الماء لمدة عام لن تبقى.. زيزي دلوعة تستيقظ عند الظهر وتأكل لحماً وتلبس سراويلاً ضيقة سوف يكرها الصبيان فالصبيان في الدار لا يعجبهم الحال المايل وآآه لو وجدوا امرأة تتكحل أو تتجمل أو تلبس فستاناً أظهر فيها للجسم أي بيان تتنبأ كل النسوان سترحل زيزي وسوف يمزق عادل من الغيط جلبابه وسيعلن في سره يوم رآها ويوم حملها إلى قريته "فزيزي" لا تصلح إلا أن تأمر.. تريد خادمه ونحن هنا لا بد أن نعمل لكي نأكل فالمرأة في دارنا لا تبقى فراش الزوج بعد آذان الفجر وتهب واقفة حين تسمع صوت الآذان مر الأسبوع الأول لزفاف الحب وزيزي ترفل في ثياب الزهر والعطر يفوح من شقتها وتفوح رائحة الرومي والبط كل مساء يدعو عادل لوليمة في شقته مرة العم ومرة الأخ ومرة الخال.. فرح لازال يشتاق لعروسه طقوسه اليومية تزداد تصبح كيفاً حين ينادي زيزي كي تصنع شاي بعد صلاة العصر..
 
أنشأ هذا الموقع ويدير تحريره الكاتب الأديب مجدى شلبى