ـنا أشارك إذاً أنا موجود

ربتني والدتي على احترام العمل وهذا الاحترام جعلني أحافظ على كل شيء تلمسه يدي بيتي جميل نظيف حجرات النوم مرتبة الصالة غاية في النظام وتعلمت من المطرية مدينتي أن أنجز واجباتي بدقة وأحاول أن أكون امرأة قادرة على مواجهة التحدي- رائدة إن لزم الأمر لهذا قررت أن أعمل عملاً مختلفاً لماذا لا أكون أديبة أترجم مجتمعي الذي أعيش فيه أسجله.. أرسم بيوته على الورق وأزين نساء قريتي بالطرح الملونة والثياب العصرية التي تجمع بين الذوق والحشمة لقد كنت أرتدي أشيك الملابس والبرانيط كغطاء رأسي لقد أحدثت ثورة على الخط الذي أطلقوا عليه خط العمدة.... كان عضو مجلس الشعب الذي تضمني دائرته يستدعيني في المؤتمرات الشعبية لأشدو بكلمات الوطن والثورة والحب ومن بعده المحافظ الذي اعتبرت بداية عهده بداية زاهية سرعان ما انقلبت إلى مأساة وتحداني كل شخص في المحافظة على حسه لأني تجرأت وقلت إن عينيه زائغة ومرت السنوات وتحققت نبوءتي ومات المحافظ بعد أن تزوج فتاة في عمر أحفاده أما هو فقد تخطى السبعين مشكلة المجتمعات الإقليمية خوفهاً من الشديد ممن يملكون زمام الحكم وتملقها الزائد للأشخاص من أجل حفنة جنيهات أو ترقية لمنصب لكني رفضت كل هذه الأشياء وتواريت في الظل أراقب الأحداث لأسجلها و أرى نساء يصعد للمناصب بسرعة الصاروخ أما أنا فبقيت كما أنا محاربة مضطهدة لا أدعى لأمسية ولا ندوة وقنعت بحياتي الهادئة في القرية أنجح في صمت ويستشري حبي بين الناس كالنار في الهشيم وعلوت فوق أحزاني وحققت بعض مما كنت أصبو إليه من شهرة وثقافة فكنت أذهب إلى قصر ثقافة السنبلاوين أجلس بين أدبائها في ذلك الحين لكن بعد القرية وعودتي لها ليلاً جعلني أخاف على سمعتي وأقاطع تلك الندوات وعكفت على عملي كأمينة مكتبة يضطهدها الجميع لمجرد إن القيادة السياسية لم تكن تطيق أن تسمع مجرد اسمها فأنا امرأة جريئة قصائدها نارية تنتقد ولا ترحم صغيراً ولا كبيراً فانطلقت الشائعات الشائعة تلو الأخرى تقول إنها فلاحة تكتب قصائد بلهاء ساذجة وهي لا تكتب ولا تقرأ أميه لا تملك إلا جمالها والحدق يفهم اكتئبت واعتراني حزناً شديداً وكادت الحملة الموجه إليَّ أن تنجح وأن أعتزل حياة العمل والأدب ومرضت مرضاً شديداً وأصابني ذبول ونحول وكنت قد تخطيت عامي الثامن والعشرين أي بعد ثماني سنوات ضائعة من الزواج دون إنجاب وقررت أن أهجر القرية وأعود إلى مدينتي أحمل أحلامي الضائعة في صفيحة صدأه سوف ألقيها في قاع البحر تليسها الأسماك أو لتأكلها وتريحني فلا يعود الحلم يغذوني مرة أخرى.. لملمت حقيقة ملابسي وأوراق شعري وكتبي وقررت الرحيل إلى الأبد لم أخبر زوجي ولم أخبر أمه نجيبه التي داهمها المرض بشده فلم تعد تسألني سؤالها الممل المعاد الذي أصابني بالعصبية هل هناك جديد..؟!!‍‍؟ لا يوجد شيء جديد سوى الإحباط واليأس إني امرأة فاشلة فشلت في الحصول على مؤهل عالي وفشلت في أن أتزوج بين أهلي وفشلت أن أمارس أعمال المنزل الريفية وحتى حينما عشقت العمل في المكتبة فشلت.. فشلت.. في أن أجعل القيادات تحبني فقد كنت كثيرة النقد والأسئلة..... اعترضت على الأمينات الجاهلات اللاتي يتخذن المكتبة وسيلة هروب من العمل الإداري فأغلقن المكتبات ووضعن المفاتيح في حقائبهن وما أقصى اللحظات عليهن لو طولبت إحداهن بأن تفتح دولاب المكتبة للجرد السنوي..بكيبت انتابتني نوبة من البكاء الحاد سألت نفسي بصوت عالي صارخة لماذا أفشل..؟!! ماذا أفعل لكي أكون ناجحة..؟!! لقد فعلت المستحيل لكي لا أكون مطلقة في المجتمع احتملت إهانات أمه نجيبه وسخرية النسوة من كل عمل أقوم به قطعت أصابعي حين حاولت تنظيف بطه صرخت من صنع أبسط الأشياء في الدار صنع الشاي - ملئ القلل - قلي الباذنجان - عمايل السلطة. فاشلة.. فاشلة.. سأذهب إلى بيت أبي فأنا لا أملك الحرية بأن يكون هناك منزل خاص بي.. سأحتمل سخافات كل من حولي وهجومهم المستمر على أفعالي سأحتمل طعامهم وشرابهم واستيقاظهم ومنامهم وسوف يضايقني أخواتي الصغار حين أغلق باب الحجرة وأقرأ كتبي وأدون أفكاري حملت حقيبتي وهبطت درجات السلالم واحدة واحده. الصداع كاد يمزق رأسي الدوران والغثيان يلفان كل جزء من جسدي أسقط مغشياً علي لا أدري ما حدث أفتح عيني أتبين الأشخاص أمه نجيبه تجلس على حرف السرير زوجي سلفاتي "عايده – صفا – منى" مبروك يا أبله.. أي مبروك هذا الذي يباركونني عليه. شيء غريب أين أنا..؟!! في المطرية أم في ميت خريطة.؟!! إنتي حامل يا أبله زيزي آديلك شهرين أغمى عليه مرة أخرى.. وشعرت إني في حلم جميل.. لا أريد أن أستيقظ منه فتحت عيني مرة أخرى رجوتهم أن يخبروني بالحقيقية.. فأنا نسيت هذا الموضوع من زمان.. لكنهم أكدوا أن الحلم أصبح حقيقة.. هل صحيح.. أن أصبح أماً يدق الصغير على باب قلبي المغلق فينفتح... يطلب أن يرضع فيتدفق اللبن غزيراً يغمر وجهه لن أتحرك سأظل نائمة على ظهري كما أمر الطبيب ومن اليوم لن يكون هناك هماً في الدنيا إلا أن يأتي وليدي وليكن ما يكون أحاطني الجميع برعايتهم أمه نجيبه كانت تصعد السلالم كل يوم لتطمئن علي وزوجي كان يأتي محملاً بكل ألوان الطعام لكي أتغذى أبي كان غير مصدق حزين يخاف على ابنته من الأمل الذي دق فوق بابها أن يغافلها ويذهب مرة أخرى.. أما أنا فانتابني نوبة من التفاؤل، وبقدر يأسي الذي عانيت منه لسنوات طويلة.. بقدر الأمل الذي بدأ يتراقص أمامي في فرحة حاملاً فوق كتفه طفلي الوليد يهدهده ويناديه.. أرى طفلي يبكي في كل مكان في الشقة أراه يحبو وينادي ويناغي ويبكي كلما رآى طفلاً يفتح الباب وينزل كان يريد أن ينزل معه هو الآخر ليلعب خفت بصراحه بعد أن أطل الأمل ملوحاً بيديه وسألت نفسي ماذا أفعل لو تحقق الحلم وأنجبت عقله صباع..؟!!
 
أنشأ هذا الموقع ويدير تحريره الكاتب الأديب مجدى شلبى