مرت الأيام وأمه نجيبه تعلن حربها الشرسة عليه وتريد الاتصال بزوجي لتخبره عن العملة السوداء التي قمت بها وواجهتها بأنها سبب جهل البنات في الدار.. لكن زوجي مشغول لا أجده أنا فهل تجده هي..كانت النسوة الصغيرات يصعدن إلى شقتي في الليل حين تنام بعد أن يعلوا الضغط مهدداً إياها بمرض تقيل فتخاف تتناول الحبوب وتنام قلبي لا يزال يعلن الحداد على عزيزة الغريبة.. لماذا اختارت بلدتنا لتعيش فيها..!! وأين كانت تعيش..!! وكيف استطاعت أن تحتمل القسوة والمرارة والحمل لفتاة لازالت تخطو خطوتها الأولى لعالم الحلم الوردي بلا أم ولا صديق.. وكم فتاة تذوقت كأس المرارة باسم الحب.. الحب في مجتمعنا لا يفهمه الرجل فالغريزة تتحكم بلا شك حين يلتقي الشاب بفتاة يحبها أو حتى يستريح لها فالحالة الاقتصادية والأحوال المتردية وسوء العمل الذي يعج بالبطالة والتسكع في الطرقات بلا عمل جعل الشباب يتحولون إلى ذئاب جائعة تبحث عن فريسة لتغتال براءتها فتارة نسمع عن الجواز العرفي وتارة أخرى عن الاغتصاب ومرات كثيرة عن الفعل الفاضح في الطريق العام أو على صفحات الجرائد اليومية ضبط فتيات الجامعة في أوكار للدعارة يا للعار.. يادي المصيبة لو كانت أمه نجيبه تتابع الجرائد.. لكانت فضيحتي معها بجلاجل وهي تعايرني بأن المتعلمات أيضاً منحرفات.. بماذا أفاد تعليمهن..؟؟!! شيء يدعو للحزن بالتأكيد..قضية تناقش يومياً من قبل المهتمات بقضايا المرأة ومجالسهن وأخبارهن قائلات في شعارات لا أدري صحتها ممنوع العنف ضد الإناث والعنف يتمثل في الضرب والختان سألتني عايدة مرات صلاح يعني إيه ختان قلت: يعني الطهارة قالت في دهشة: يا خرابي دي البت إللي ما تتطاهرشي بتبقى هايجة.. سكت ولم أناقشها فالقلب فيه ما يكفيه وتابعت مفهوم العنف ضد الإناث هل العنف يتمثل في اقتطاع هذا الجزء إن الإنسان لو قطعوا أقدامه أو أخذوا أي عضو منه فإنه يعيش فلماذا لا تعيش الفتاة بعد اقتطاع هذا الجزء..؟؟!!!أنا أعتقد أن وقف العنف ضد الإنسان يتمثل في مواجهة الفضيحة التي تعاني منها الفتاة بعد اغتصابها بإرادتها أو بلا إرادتها.. هل بعد أن تحمل الفتاة ويتهرب الرجل عنف يمارس.. أعتقد أن كثيرات منهن يقدمن على الانتحار لكي يتخلصن من العار والفضيحة وحتى بعد أن ترحل كافرة فإن سمعتها تظل عالقة بأذهان المجتمع لا تمحوها السنين..حكايات النساء دائماً تدور في المجتمعات الشرقية حول شيء واحد الشرف والعفة والحب والزواج والطلاق.. لا قضايا معاصرة.. وإن ظهرت فهي في إطار الزواج العرفي – الخلع - محكمة الأسرة خلل ما يصاب به المجتمع الإقليمي والقروي والصعيدي وأهم ما يدعو للسخرية زواج الرجل بأكثر من وحده وهو ما يتدرج تحت مسمى "تعدد الزوجات" أي يتجوز الرجل بمن تحلو له الدين والشرع حلل له ذلك إن كان قادراً على أن يعدل بينما إذا كان يميل لإحداهن دون الأخرى فبالتأكيد عدم زواجه أفضل وبطلة قصتنا فتاة في العشرين جمالها يفوق الوصف ضفائر سوداء مسترسلة تنسدل على قمر يسير على قدمين.. يهتز غصن البان فتميل قلوب العاشقين والطامعين ومن في قلوبهم مرض. فلا نرى من يغض بصره بل يبحلق في شراهه وجنون..فوزية وقد كان هذا اسمها.. أشهر فتاة في القرية فوالدها شيخ الغفر الشحات أبو الريش.. طول وهيبة وسبع فدادين ورثهم من الإصلاح الزراعي عن أبيه الغفير النظامي الذي كان يعلق بندقيته الميري التي يعلوها التراب وجلبابه الأخضر القديم وفوقه البالطوا الأصفر ذات الأزرار الكبيرة أصيب بداء العظمة والغرور وعندما أصبح من الملاك بعد أن ذاق المر وبطنه أصابتها العفن من دود المش لم يصدق الرجل نفسه وهو يقبض الجنيهات في كل موسم حصاد حاول أن يستوعب الوضع الجديد لكنه لم يقدر فأصابته لوسة وكتر كلامه عن الثورة وجمال عبد الناصر الذي علق صورته في المندرة بعد أن أصبح عضواً في الاتحاد الاشتراكي تجنبه الرجال في القرية لأنه يصيبهم بالصداع من جراء صوته العالي المتحدث بلسان الثورة والشيوعية والمثقفين فأصيب بالمرض وسرعان ما مات مخلفاً لإبنه الشحات سبع أفدنة فخرج الشحات مغروراً بالفطرة والولاده مغرور ابن مغرور وولدت فوزية وإللي اقتبس من اسم الأميرة فوزية فالشحات كان يشعر بأنه أصبح برنس وأبيه أمير.. آآه يا ولاد الكلب عاملين ولاد الثورة وإنتم نفسكم ترجعوا أمراء إقطاعيين بتتمسحوا ليه في الملك هيه الأميرة فوزية دي اخواتها الأميرات فايزة وفوقية إخوات الملك فاروق طب ما سماهاش هدى ليه على اسم بنت جمال ولا سماها عيشة على اسم وزيرة من بنات الثورة..كلام كانت البلد تردده.. كلمنا تمنعت فوزية ورفضت عريس من ولاد البلد أنا هتجوز في السنبلاوين.. بلد إيه الفلح دي.. ومرت الأيام وترامت الأخبار في القرية على لسان أهلها بأن فوزية خطبت لمهندس في السنبلاوين يا حلاوة مهندس دى إيه النهاردة.. وتم زفاف الأميرة فوزية بنت البرنس علاء اقصد البرنس الشحات أبو الريش في حفل مهيب شاركت فيه فرقة الأوبرا عفواً دائماً أتذكر حفل زفاف الأميرة فوزية على شاة إيران عزفت فرقة حسب الله أغنية "أما نعيمة.. نعمين.. خلي عليوه يكلمني" وغنت عايدة الشاعر في المسجل.. "الطشت قالي.. الطشت قالي.. يا حلوه يا إللي قومي استحمي".. وها هيه فوزية الحلوة استحمت يوم الصباحية والشحات آخد عربية بها كل ما لذ وطاب من فطير مشلتت.. ورز وبط وحلويات.. وخلافه..أنجبت فوزية بنت بعد عامها الأول من الزواج.. بعد اكتشاف أن المهندس طلع دبلوم صنايع ويعمل في ورشة لمعلم كبير وإن فوزية كانت السلم الذي سوف يصعد عليه لتحقيق طموحاته فالأخبار وصلت إن فوزية ليها فدان ملك.. أبوها كتبه على اسمها وحين علم الشحات بالملعوب خاف من كلام الناس وحط سره في عبه.. وقال في استلام إنه المقدر والمكتوب. فوزية استسلمت للأقدار وانشغلت بتربية بناتها الأربع ليلاً ونهاراً تغضب عند ابوها شويه وتغضب عند أخوها شويه.. ولطشت معاها الأيام أما زوجها المهندس الفاشل فذهب إلى غير رجعة وبحثت عنه كثيراً فلم تجد له أثر لكن أولاد الحلال أخبروها بأنه يعمل في إحدى الورش في ليبيا فاستطاعت أن تحصل على العنوان وأرسلت له شرائط تسجيل تخبره بأن البنات يسألن عليه وهي تعاني بمفردها في تربيتهن.. ولكن ذهبت محاولاتها أداج الرياح فلملمت جراحها وحلمها الخائب في السكن في المدينة الكبيرة التي بهرتها بالأضواء والمباني العالية والأسفلت وخبأت دموعها المنهمرة فوق خدودها الذابلة وجمالها المنزوي مع الأحزان وأتى والدها الشحات بسيارة نصف نقل ليحملها حملاً إلى القرية فودعت جيرانها والسوق المجاور لها والفاترينات التي كانت تعشق الفرجة عليها كلما غدت أو راحت ظلت دموعها تغسل عينيها في قسوة وهم ونهرها أبوها قائلاً يا سلام يعني كنتي في الجنة يا بت إيش حال لو ما كنشي مدوقك المرار مش هيه دي شورتك يا شماتت البلد فيك يا شحات.. يا إللي خبت في تربيتك.. حظي كدى يا آبه معتشي ييجي منه مقدر ومكتوب.. والمكتوب مفيش منه هروب.. نظرت فوزية إلى بناتها اللاتي أصبحن من بنات المدينة ملابسهن شعورهن المسترسلة.. أحذيتهن الجلدية.. زفرت زفرة طويلة أحرقت صدرها وهي تعلم مصير البنات في القرية فالكبرى إحدى عشر عاماً والصغرى في الرابعة من عمرها ومنذ ولادتها ومشاكلها لا تنتهي مع الزوج الذي كان يريد ولداً.. وهي لا تأتي له إلا بالبنات.. لا إله إلا الله.. وما ذمبها..؟؟!! وبرغم تحذيرات وسائل الإعلام للأم التي تنجب وتعرض نفسها لمشاكل صحية كبيرة وبرغم الملايين المهدرة التي تنفقها الدولة بلا رحمة على وسائل منع الحمل التي تحتوي على الحديد واللولب والحقن إلا أن النساء لا تزال تحمل وتنجب ضاربة بنصائح ماما كريمة عرض الحائط فمن تريد ولداً تظل تنجب حتى لو أنجبت دسته كاملة من البنات.. كل ذلك لا يهم المهم الواد ييجي وخلاص بعد أن تكون العائلة انشطرت وكثرت وجاعت فلا طعام ولا ملبس ولا مأكل وتسدين وتوضع في تعداد الأسر الفقيرة التي تحتاج إلى زكاة والأم فرحانة لأنها كادت العزال وأصبحت أم جميل بدلاً من أم جميلة.. أفاقت فوزية من شرودها على صوت أبيها يشخط في البنات يالله يا بت إنتي وهيه.. ابتلعت دموعها في حسرة وقالت في سرها: ربنا يستر أول القصيدة كفر يا حسرة قلبي عليكوا يا بناتي.استسلمت فوزية لحياتها في القرية وازدادت ألماً وغماً وهماً وهي تراهن يتحولن إلى بنات قرويات في كلامهن.. أزيائهن.. فلم تعد تشتري لهم سراويلاً بل حلت العباية الواسعة مكان السروال واختبأت شعورهن بخمار كبير فبات شكلهن أكبر من سنهن الحقيقي.. فانابتها اكتئاب وصمت كلما تذكرت أيام الزوج الهارب الذي تزوج عليها في القرية وأنجب ولداً ويعيش حياته كأنه لم يعش يوماً معها ولا مع البنات..انتهت قصة فوزية التي استمعت إليها من "عيوشة" دلالة القرية التي كانت تنافس بضاعتها الحاج شعبان لأنها استطاعت بخبرتها أن تتعرف على أذواق النساء ومطالبهن الخاصة بلا خجل فراجت بضاعتها بفضل حلاوة لسانها وحكايتها التي يفوح منها عبق الأسرار وما أسعد المرأة حين تتعرف على سر امرأة تتاجر به في أثناء النميمة النسائية..