اختيار

ماذا أختار..؟!! بكيت حتى احمرت عيناي.. دار عادل في الشقة.. فعلاً لابد أن تختاري حتى لا يندلع في البيت حريقاً.. فالنسوان بدأت تتهجم علي أمه نجيبه ويشمتن في خيبة ولدها المتعلم الذي أضاعت عليه كل سنوات العمر تربية وتدلله وتدعه يختار بقلبه بدعة جديدة لم نسمع عنها أبداً في حكاية يقول: زيزي يا أمي اختارها قلبي.. فليذهب قلبك لجحيم أبدي..قال.. اختاري الدار.. غسل المواعين أمر سهل أسهل من مرواح الغيط والشمس وحرراة يوليو ستصيرين عبداً أسود..أصرخ حتى تصفر أذناي لو أعرف أني سأتزوج فيالريف لأصير خادمة لأمه نجيبه لوضعت قلبي في البحر وقيدته بسلاسل من نار.. ماذا أختار.. أختار حلة واسعة وسع الطشت مليانه هباب أغسلها مرة بالسلك ومرة بالقش ومرة أخيره أجعلها تلمع.. أفعل مثلما كان يفعل مبيض النحاس الذي كانت تعطيه نينه وداد وتيته وداد حلتها كي يجليها ويزيل عنها الجنزراة حتى لا يتسمم من في الدار.. حلة أرز وأخرى لطبيخ يلتصق بالجدران ثلاثة أيام.. مواعين إلا المواعين..قال اختاري الطبخ.. الطبخ يا لها من مصيبة تجعلني أكاد أخرج عن وعي.. كيف أطبخ في كل مرة أخرط للطبخة الوحدة 10كيلو بصل وأخرى بيدي 10كيلوا طماطم وأمام الكانون أصهلل بيدي أدور بالملعقة الكبرى وألقم للنار قرص الجلة المفروط من آن لآخر كي لا ينطفئ الكانون.. وأقوم بتقشير بطاطس تكفي لإطعام الجيران في شارعنا.. إلا الطبخ..تداولنا كثيراً واحترنا أكثر وحتى آذان الفجر استعرضنا كل الأعمال وأخيراً قرر بعد مداولات واتهامات كادت أن توصلنا لطريق مسدود..سوف يحايل عادل أمه نجيبه كي ترضى أن تسند لي أعمالاً خفيفة ترضيني وترضيها.. سوف أقوم بعمل الشاي.. أمر سهل وهواية وثواب حين يمتلئ البكرج (البراد) بالشاي وأصب الأكواب وأدور كي أسقي الصبيان وأصحاب الصبيان والفتيان والنسوان والعائد من الغيط حين يصرخ وينادي أين يا بت الشاي..؟!! دماغي خرمان.. وعلى مضض توافق أمه نجيبة على عملي التعبان أهه تتعلم خلينا خلف الكداب تعاتبها النسوان زوجه ابنك خايبه لا تصلح إللا للبس وللبهرجة وقميص النوم العريان.. تصمت.. تتلعثم من تحت الضرس.. تقول أمري لله نتحمل ونشوف آخرتها.. والله آخرتها معروفة والصبر دليل الحيران.. في وسط الدار أغسل براض الشاي بسرس أحمر أجعله يبرق وصنيه بلون الفضة وأكواب كالبللور.. تصرخ لا يعجبها غسيلي.. تمسك بين يديها الكوب تتشمم.. لا تعجبني الرائحة وسوف يشتمنا الصبيان فالصبيان في الدار لا يطيقون للشاي أي رائحة منبعثة من الأكواب موقد الجاز شطب من الجاز قومي يا بت امليه بالجاز وهاتي شرايط أخرى حتى لا يتكون على البراص هباب كوني فنانة.. الأنفار يطلبون الشاي.. الشاي يغلي.. السكر يكفي اليوم بالكاد.. القلة المملؤة بالماء مرمية وسط الدار.. وحمار يرفسها برجليه فيكسرها تصرخ أمه نجيبه إلهي تنكسري يا زيزي.. شهادة الندامة.. ماذا نفعل بشهادة ملطوعة فوق الجدران.. ابني بصراحة يا ناس غلبان.. النسوان بتقول.. زيزي لا تصلح والصبيان بيقولوا العيش نازل من شقتها متعفن.. هيه على الدار بخسارة.. شوفوا لها مصيبة تخفى من الدار.. لم أعد أحتمل الشكوى.. الآهه تئن ما بين دموعي.. لابد من العودة لمدينة أحلامي مهما صار ومهما كان ألبس ثوباً باهتاً وأرتاد السيارة النصف نقل المخصصة لنقل البهائم.. أركب في الصندوق الخلفي جنباً إلى جنب مع بهيمة لباني صغيرة مربوطة بحبل في صندوق السيارة بقوة أستند إلى إحدى جوانبه ترفصني العجلة اللباني وتضحك مني قد صرت بجانبها كأن الإنسان في قريتنا بلا قيمة بل قيمة البهيمة تفوق ثمنه بكثير في القرية حين تموت بهيمة تصرخ سيدة الدار.. وتولول.. وتقول يا ليتني كنت بدلاً منها.فهي عشاء الأولاد وفطور الأولاد.. هي بسمة زوجي حين يعود واضعاً يده على رقبتها في حنان وآآه لو يفلت منه الحبل حين تغضب منه ينفرط العالم عقداً لا يهدأ إلا حين تعود لأحضانه فعشق الفلاح لبهائمه وعشقه للأرض..
 
أنشأ هذا الموقع ويدير تحريره الكاتب الأديب مجدى شلبى