لازلت أتذكرها بالوجه الممتلئ الرائع والحسنة السوداء والجسم الممشوق الفارع كانت تسكن داراً واسعةً وتملك أرائك وسريراً مفروشاً بألوان زاهية ورائحة عطرة كانت أغلى بنات أم علي وأحلاهن على الإطلاق كانت تمتلك خادمة تأمرها أن تحضر كل طعام كي يأكل منه الفقراء..كانت تملك أسرار الفتنة فتزوجت أحمد الرجل الأول والأخير واستوعبت الدرس من أمها.. كيف تحافظ عليه ولا تتركه لامرأة أخرى ويهجرها وتعيش الأحزان فابتسمت للزوج عند فراقه صبحاً وعند لقائه في المساء كانت تغمره بالفرحة وبأحلى أحاديث الحب فكانت له شهرزاد..أعطاها كل العمر.. وفي غمرة تلك الفرحة أقعده شلل رعاش كانت لازالت في العام الثلاثين امرأة تغار منها الشمس حين تظهر ويخجل من طلتها البدر.. لكن الزوج الرائع أصبح مقعد لا يقوى حتى أن يقف قليلاً ليصلي كانت عيناه تنظر لتفيدة وتتمنى أن يسرقها الحلم إليه لكن بلا جدوى تظل تفيدة صامدة في وجه الأحزان تحمله بين يديها وترتاد كل طبيب من شأنه أن يسمو بلوعتها لكن هيهات أحمد مات وترك ثلاثة أبناء وامرأة لازالت في عز ربيع العمر..لم تبك تفيدة واحتضنت كل الأبناء.. قصت ضفيرتها الطويلة وتركت شاربها ينبت وارتدت جلباباً بلون الليل وندرت الجسد الرائع لتربية الأبناء..دق الباب رجل يتبعه رجالاً يخطبون ود تفيده وتفيدة تدق الصدر في دهشة رجل آخر أتعرى أمامه ذيل جلبابي أرفعه لرجل آخر والله أبداً.. ظلت تفيدة حتى وصلت للستين صارت جدة للأحفاد.. وفي عيد ميلادها الحادي والستين رحلت وخلف جنازتها يتبعها كل الأبناء.. يلطمون.. يولولون.. كانت بدراً.. قمراً خلقاً دنيا عمراً.. لم تهوى سوى رجل واحد وكان الإخلاص في العائلة وراثة وديناً نحمله جيلاً بعد جيل..