كانت أروع تلك اللحظات هي التي أقضيها بين جدران مكتبتي أغوص بين أوراق الكتب أتعلم وأستمتع، قرأت مرة في أحد الكتب أن كثيرين من الناس ما كانوا ليعشقوا لو أنهم لم يسمعوا غيرهم يتكلم عن الحب لذلك نجد أن الناس في فرنسا أكثر عرضة من سواهم لهذا النوع من الحب الأسلوب الذي هو أقرب إلى الانفصال والشهوانية والغيرة والطموح أي إلى النجاح قرب المرأة..فمثلاً عبقرية ألكسي تقوم في التمييز بين العواطف وعدم خلط عاطفة الحب بغيرها..إذ علينا أن ندرك تماماً ماذا نفهم بكلمة حب فإذا كنا نعني بها ذلك النوع من العبادة التي يكنها شخص لآخر مقتنعاً بأنهما خلقا لبعضهما وأنهما متشابهان تشابهاً منقطع النظير. فهذا وهم لأنه يجب أن يخمن ما هو في الحقيقة والواقع لا ما هو في الخيال والمرتجى هذا "الحب الواقعي" هو حب الألفة والتعاطف شعور رقيق نحو إنسان آخر يشاركنا مصادفاتنا وأحوالنا وليس هذا الحب أفلاطونياً بتاتاً فالشهوة تبقى أساسا لكن العطف العميق يغلب فيه على كل الهوى كان يجب أن أقرأ لأشعر أني أفهم كل من حولي أستطيع أن أفهم لا أقف عاجزة حين يسألني الأطفال فمثلاً عملي في مدرسة إعدادي يجمع بين سنوات الطفولة وبداية مرحلة المراهقة ولأني كسبت ثقة الجميع كانت توجه لي أسئلة عن الحب بصفة خاصة فمثلاً الحب في المجتمعات الشرقية يعني الشرف والتمسك بالعادات والتقاليد حتى لو عانى الحبيبان أشد أنواع العذاب وأقساه عليه أن يحتمل فالحب شيء.. والجنس شيء آخر.. والشهوة شيء ثالث فمثلاً الحب في جميع المفاهيم الأوروبية هو انعدام الحب المقدس من الحب ربما بسبب ذلك الموروث السيكولوجي الذي لازلنا نرزخ تحت وطأته من قرون عديدة لقد فقدنا الشعور بأن الحب والعلاقات الشهوانية ذاتها بل مجرد العلاقات اليومية العادية هي علاقات مكرسة ذلك أن العلاقات الحسية هي ظاهرة كبرى من الظواهر الكونية إنما هي تجسيد للكون في الفرد..خلافاً مثلاً العروسة في الهندوسية تشعر أثناء الزواج أنها تمثل ولو للحظة وجيزة الربة سيتا في زفافها إلى راما فالزواج هذا الرباط العاطفي المقدس اختفى في العصر الذي نعيشه وقد يكون اليونان أول من عرفوا ذلك فبالغوا في احترام الزواج لهذا فإن أكمل أنواع الزواج نظرياً إذ لا أحد يعرف مدى ممارسته في الشعائر الحقيقية هو ما أسماه الهندوسي "مايوتوما" ويقوم في التمرس في بناء ألفة حميمة بين العريس وعروسه قبل الزفاف أي اندماج الجسدين سألت نفسي وأنا في طريقي لزفاف إحدى بنات القرية "بشرى" وخطوبتها التي تمت منذ ولادتها إلى ابن عمها "سمير" وشبَّت وهي لا تشعر بميل ناحيته بل كانت كلما جلس في مكان هربت في مكان آخر واحمرت عيناها من كثرة البكاء رافضة إياه.. هل تستطيع بشرى أن تميز بين الحب والعشق والغزيرة والاتصال الجنسي بين الرجل والمرأة هل تعرف الحب وقصصه الشهيرة بين أشهر العشاق..؟!! هل سمعت عن حب لورا للشاعر بترارك أو حب بياتريس للشاعر "دانتي" أو حب جولييت للشاعر فكتور هوجو. الأقدمون اعتبروا الحب نوعاً من المرض نظراً للمخاطر التي ينطوي عليها شخصياً لا أظن الحب هو كل شيء في الحياة والدليل هؤلاء النساء اللآتي تكتظ بهن المحاكم مطالبات بالطلاق بعد أن استحالت العشرة بينهما وقد حملت كل سيدة على كتفها طفل لم يتجاوز عمره العام وعلى تقدير أكثر عامين لم تسأل الفتاة نفسها هل أنا أشعر بالحب القوي تجاه هذا الشخص أم أنه مجرد رجل يتزوجني وأنجب منه وأحيا تعسه ما بقي لي من العمر.. فالفتاة المتحررة تعجب بالرجل الرجعي لأنه يفهمها أنه يغار عليها من عيون الناس فتصدق وتعيش التجربة وهي تعلم تماماً أنها لن تكون سعيدة معه لأن ميولهما لا تتفق فمظاهر التحرر لديها من العادات والتقاليد قد زورا مفهوم الحب في الغرب فكان تعساً مأساوياً لأن الفتاة في الغرب غيرها في الشرق فالغرب قد يسمح للفتاة أن تعيش تجربة الجنس قبل الزواج بل وإنجاب طفل غير شرعي لكن هنا عندنا في الشرق من تلك التي تنجب طفل وتعيش وتبقى بين أفراد المجتمع..؟!! وتعيش مثل هذه التجربة المدمرة قبل الزواج لذلك نجد أن تحرر الفتاة في المجتمعات المغلقة لن تجني منه سوى الحسرة والألم والنفور منها من قبل الرجال والنساء في آن واحد.وصلت إلى حفل زفاف بشرى ووجدتها مثل القمر الحزين الماشطة وضعت لها الجير الأبيض والأحمر والكحل والحنة. وجلست في الكوشة نظرتها زائفة وجسدها يرتعش. وانصرفت مبكرة في الصباح قالوا بشرى لبسها عفريت كاره الرجال..