كانت تنتابها حالة من تقترب من الغيبوبة وتنسى أنها كانت امرأة.. انثى تحمل في الأحشاء جنيناً تتقيأ أحزان الوطن المقهور وتسعى جاهدة نحو الميلاد ليكون خلاص الكون المرئي ويعزل كل مساحات العتمة حين يهل وجه وليد حالم ينظر للفراشات يداعبها ويحادثها يقبض بيديه على الهواء ويضحك فيضحك خريف الأم فتخبئه بين الرئتين والأهداب المكحولة بالشوق ليكبر رجلاً ويكيد عوازلها تتنفس حزناً يعصرها دماء تعطي الشريان حياة.. عشقت سبيله وليدها الرابع "جميل" بعد ثلاث بنات.. النسوة تتغامز وتتلامذ.. سبيله لا تنجب إلا إناثاً سوف يزول مع الأيام الاسم وتكون الذكرى أطلالاً بعد وفاة الأب..تبكي سبيله.. سوف أظل أحمل أطفالاً حتى لو فر بين يدي.. العمر.. لو ضاع العظم ولم تبق سوى أنفاسك حتى يأتي وليدي يحمل سيفاً براقاً.. يملأ كلُ الدنيا ذكوراً وتمر الأجيال فأكون الجدة للأولاد أبد الدهر.. وإن حملوني في تابوتي فالأبناء يبكون من أجلي دموعاً تغسل أحزان الدهر..و"جميل" الأمل البراق يترعرع مثل شجر الصفصاف الوارف اليوم يمر عليه بيومين.. تطول ساقاه يعرض فيه الصدر ويخط الشارب في الوجه الممتلئ شباباً فيتيه الأب وكأنه عاد شباباً ما عاد يشعر بالعار.. أنجب رجلاً تعشقه حوريات البحر عيناه تنطق بالسحر..أهملت سبيله الثلاث بنات بل وتناست خلفتهن الغبراء وزوجتهن واحدة بعد واحدة وألقت بمشاعرهن للريح حين تضرب في الزهر.. كريمة تتزوج علي ضره وجميله تتزوج رجلاً فقيراً تعمل معه في الحقول حين يهل كل فجر حتى غروب الشمس ونصرة تتزوج عبد الجبار أرمل ماتت زوجته من القهر.. استراحت سبيله رغم متاعب البنات وشظف العيش.. كل ما يعنيها.. "جميل".. وشاربه وجلبابه الأبيض ورجولته المتأججه..فاللحم الطازج والبيض والحلوى.. "لجميل".. أما العدس فيبقى حين يعود الأب مكدوداً من عمله فلا يرى بيضاً ولا لحماً..الأم تعطي بسخاء للحيلة والحيلة يذهب كل مساء للمدينة يشرب كوكاكولا ويدخن بانجو..إمعاناً في رجولته شرب ذات يوم كثيراً ودخن كثيراً حتى غاب عن الوعي حملوه قتيلاً للأم.. فارتدت سبيله ثوباً في لون الليل.. وبعد عام جمعت بناتها الثلاثة لتقسم لكل واحدة منهن أنها سوف تصلح ما أفسده جميل والدهر..