دموع رموش العين

الدموع تخفف الأحزان -نحن شعب إذا ضحكنا قلنا اللهم أجعله خير.. وإذا كنا الشعب الوحيد الذي يبكي عندما يضحك فإن ذلك تفسيره أن الحزن طبيعة سائدة فينا وخاصة المرأة في مجتمعنا الشرقي التي كتبت عنها الأمثال في الموروث الشعبي قائلة "دموع الأحايب زكايبت" وهذا المثل استمعت إليه لأول مرة من أمه نجيبه وكأنها موسوعة ثقافية كبرى في دراسة سيكولوجية المرأة وهذا المثل أطلقته عندما علمت بأن سلفتها "فرحة" تبكي لزوجها منها لأنها تمنع عنها الطعام عقاباً لها لأنها مرضت وهذا المرض منعها من المشاركة في أعمال الدار وعندما عاتبها شفيق زوجها ردت عليه مبرئة نفسها محصلشي ومراتك عاملة زي القطعة تبكي بمزاجها وتقوم بمزاجها والهانم بتعيط صحيح على رأي المثل "دموع الأحايب زكايب" وهذا المثل ترجمة أيضاً للأمثال العالمية التي تقول.. المرأة لها دموع مثل دموع التماسيح ولا تصدقوا دموع المرأة شيء غريب حتى دموع المرأة اعتبرها المجتمع كذباً أوجاعها شيء لا تصدقوه حتى وأن تأوهت وشق صراخها سكون الليل حين يأتيها وجع الطلق والولاده هذه الحرب الضروس التي يطلقون عليها حرب الصبايا وما أن تبدأ المرأة في الطلق حتى ينتظر الناس ماذا ستنجب بغض النظر هل ستذهب هذه المرأة ضحية للوليد أم تقوم من حملها بسلامة "ورموش العين" امرأة رغم أن عمرها لازال ستة عشر عاماً تزوجت منذ عام واحد وها هي حامل في شهرها الأخير تعيش مع زوج تخطى الستين آي نعم هي الآمرة الناهية في دار حجر ودورين وبدروم فيه كافة أنواع الحبوب إلا أن حمدي القصبي زوجها لا يعرف قيمتها أهي حرمة وخلاص فباتت كل ليلة دموعها فوق خدها تملأ زكايب أما الزكايب وعرفنا إيه معناها أجولة مثل أجولة الحبوب والأجولة مقاسات صغير ومتوسط وكبير لكن يا ترى.. من هي الأحْبة..؟؟!! التي تقصدها أمه نجيبه في أمثالها والمعنى واضح فهي تنتمي للعائلة العاهرة بأكمها من مومس وزانية والبقية تأتي لكن يا ترى لماذا كانت دموع رموش العين غزيرة وتملأ زكايب الناس في البلد بيقولوا إنها كانت بتحب عواد ابن عمتها لكن عواد كان في دبلوم التجارة وحب واحدة زميلته في المدرسة أما رموش العين فكانت حلوه.. صحيح لكن جاهلة لا تعرف الألف من كوز الدرة ففكرت بينها وبين نفسها أن تكيد عواد وتتزوج حمدي القصبي صاحب عشرين فدان ولا ولد ولا بنت يعني الأرض كلها هتبقى من نصيبها لكن بعد الجواز اكتشفت إن حمدي نومه تقيل ولا يعرف أيحاجه في الحب ولا الجواز فنامت كل ليله تفكر في مصيرها الأسود مع هذا الرجل الأبله الذي لا يقدرها ولا يقدر عواطفها وعلى أعتاب الأمومة شقت صدرها صرخة وليدها القابع إلى جوارها وحملته إلى صدرها تقبله وتبثه عواطفها المثكولة بين طيات اللحاف الستان البمبي الذي كان يجمعها ببقايا حطام رجل وما أن جاءها الوليد حتى انتقلت به إلى غرفة أخرى مبتعدة عنه تماما لا تريده يمس شعرايه منها والراجل ما صدق وقال بركه يا جامع.."رموش العين" مازالت تبكي على حلمها المراق كاللبن المسكوب على التراب فكيف تلمه عكفت على تربية جمال وقد كان طفلاً بارك الخلاق فيما خلق فأصبحت امرأة بحق وحقيقي وما أن رآها فتحي المشرف الزراعي بالجمعية حتى جن جنونه وعلم أنها زوجة حمدي القصبي فلم يصدق عينيه وحمل إليه كل أنواع السماد لغاية داره ليس حباً في سواد عنيه ولكن حباً في جمال رموش العين.. ولأن القرية صغيرة انطلقت الإشاعة تدوى مخلفة كلاماً وحديثاً يدور فوق المصاطب ليلاً.. خافت رموش العين على جمال ابنها وقررت شيئاً ما لتقطع ألسنة الناس عندما انتصف ليل القرية ونام الزوج بعد أن تناول الدواء دق قلبها دقات عنيفة فحلمت ابنها على كتفها وغطته بشال ثقيل وخرجت من باب الدار وأغلقته دونها وسارت في أزقة القرية حتى وصلت إلى الطريق الزراعي وظلت واقفة حتى جاءتها سيارة نص نقل أوقفتها وحين رآها السابق تحمل طفلها رق قلبه ووقف وأجلسها إلى جواره وذهبت رموش العين إلى المجهول لا تدري عنه شيئاً وبعد سنوات شاهدها أهل القرية في أحد أفلام السينما تمثل فصرخوا رموش العين.. آهي يا ولاد، لقد أصبح اسمها ليلى عجايب، وجمال ابنها فين..!! لا أحد يدري قصة سمعتها صاحبتها بطلة من إحدى القرى المجارة.. شعرت بمأساة رموش العين وكما عانت في سبيل لقمة العيش لقد فضلت الجوع على أن تبقى في قرية تلوك سيرتها فما أقسى أن تلوك ألسنة النساء سمعة امرأة أجمل منهن..
 
أنشأ هذا الموقع ويدير تحريره الكاتب الأديب مجدى شلبى