أتذكره تماما عيد الأضحى عام 1981 وتحديداً في عيد 6أكتوبر كنت ساعتها في منزل أسرتي في مدينة المطرية ومعي زوجي هذا العيد كنت أشعر بالفرحة على غير عادتي منذ أن تزوجت فهذا العيد الأول للوظيفة التي عشقتها.. العيد الأول لأول قصة أكتبها وأول قصيدة شعر إن العمل داخل أروقة المكتبة متعة كبيرة لمن يعشقها حكيت لأبي عن كل شيء الناس والسيارات النص نقل التي تنقل الناس من القرية للمدينة سيارات أعدت خصيصاً لنقل الدواب من كل شكل ولون كنت أظل واقفة بالساعات لكي أركب في كابينه السيارة الأمامية لأن الخجل كان يعتريني حين أركب داخل صندوق السيارة في الخلف لعدة أسباب أولها: فستاني الضيق والشيك.. وثانيها: شعوري بالغربة الشديدة بينهم لكن مع الأيام اعتدت التواجد بينهم وكلما جاءت سيارة أسرعت إليها أقفز بداخلها ولا مشكلة..كعادة أبي في كل عيد حينما أزوره أشعر كفاءة غير عادية بل مبالغ فيها اللحم والحلوى والفاكهية والفستان الجديد والعيدية كان فرحاً منتشياًً هذا العيد.. اجتمع الصبيان والبنات على مائدة الغداء كان التليفزيون يبث مراسم الاحتفال بعيد أكتوبر المجيد.. طابور العرض العسكري يجعل القلوب تتقافز فرحاً وتتذكر لحظة العبور من الظلام إلى النور من الهزيمة إلى الانتصار.. أكلت لحم الخروف الشهي الذي أعدته زينب زوجة أبي والأخت الحنون تحدثنا وضحكنا وحكيت لهم عن الدار وما يحدث فيها من مفارقات وكيف أن النساء تكيد بعضهن بحب أزواجهن والاستحمام اليومي والضفائر المبتلة تكون دليل هذا الحب وإذا كان النهار سباقاً رهيباً في أكل العيش فإن الليل أيضاً يشهد صراعات مستمرة في الحب فما أن تدور طلمبة في يد امرأة حتى تستيقظ جميع النساء مقلدات وحاقدات وآمرات الرجال بممارسة الحب معهن بالقوة وإلا سيكون الغد نهاراً أسود يكون بلون هباب الحلة والفرن والكانون ولا يجد الرجال مفراً إلا تنفيذ الأوامر منعاً للمشاكل وتعطيل المراكب السايرة.. فجأة ننتفض وقوفاً وننظر جميعاً في دهشة للتليفزيون طلقات نارية صوبت للمنصة هرج ومرج ثم ينقطع الإرسال.. يطل علينا المذيع يعلن عن محاولة اغتيال تعرض لها الرئيس السادات في يوم عيده واحتفاله مع أولاده كما كان يحب أن يطلق عليهم ويوجه إليهم حديثه كلما ألقى خطاباً..أصاب الذعر الجميع ألقوا الملاعق من أيديهم انفض مجلس الطعام.. هل مات الرئيس..؟؟!! يقولون أن إصابته طفيفه وهو بخير لكن القلوب تتحدث بأن أمراً مفزعاً قد حدث فالدسائس والمؤامرات تحاك من حوله والشعب كان يثور كالبركان من أجل معاهدة كامب ديفيد والصلح مع الصهاينه وموقف الدول العربية الرافض والأبواق التي تطلق الشعارات وإطلاق لقب الخائن على السادات وجيهان أم الأبطال الروايات والشائعات التي تقول بأن أشيك رجل في العالم وأغنى رجل في العالم وأن جيهان السادات كانت السبب في موت فنانة الشعب أم كلثوم لأنها أهانتها في أحد الاجتماعات بعد نصر أكتوبر ثم انتفاضة الشعب التي حطم فيها المحلات والكازينوهات وأطلق عليها السادات انتفاضة الحرامية..مظاهرات في الجامعة ترفض المعاهدة.. وتقاطع كل من يناصرها، مات السادات في يوم النصر وبيد خالد الإسلامبولي ابن من أولاده الذين كان يثق فيهم أكثر من نفسه فلم يلبس يوماً القميص الواقي عمره كان لحد كده قالها الشعب في تبلد فالقلوب المجروحة من نكسة 67 كانت لازالت تنزف بالثورة والقهر.. آلاف الجرحى والثكلى والأرامل والأيتام تتذكر وبقوة آلام النكسة التي قسمت ظهر الوطن..وفي تشييع جنازة السادات تقلبت المواجع وتذكرنا عبد الناصر وجنازات الشعب التي كانت تبكيه يا جمال يا حبيب الملايين.. حب الشعب كان جارفاً جمع فيه الحب والثورة وجمال الثورة وأحلامها وأمنياتها والمرحلة الجديدة التي عاش فيها الشعب أفراح الحرية والتأميم والاشتراكية وبعد أن مات خرجت الأقلام تنخر العظام المدفونة في التراب وتنفس سمومها مرة أخرى في روح الزعيم الذي عاش ومات مؤمناً بقضية الوحدة العربية التي تفتتت شملها بعد أن رحل ماذا سيكتب التاريخ عن عصر السادات بعد أن قتلوه رمياً بالرصاص..ترى.. ماذا سيقول عن رجل حقق لمصر النصر والحلم والعودة لأرض الوطن السليب ومرة أخرى تطل علينا نشرات الأخبار بأن السيد حسني مبارك نائب رئيس السادات أصبح زعيماً خلفاً له وأغلق ملف الزعيم الراحل المؤمن محمد أنور السادات بمحاكمة القتلة.