طعم السعادة

تذكرت شاطئ مدينتي الجميلة "المطرية" وتذكرت الرجال الواقفين يحملون سنانيرهم ساعت العصاري وقد أمسك كل رجل برغيف مبلول، وكورة في يده على شكل عجينة وقطعها قطعاً صغيرة، يشبكها في طرف السنارة، ثم يلقيها في الماء فيجتمع حولها السمك آكلاً للطعم في لذة وسعادة وبعد لحظات تجد نفسها في سلة بلا ماء مغطاة بغطاء أسود فتشل حركتها وتنتظر الموت فيكون الطعم طعم سعادة وحزن في آن واحد حياة وموت.. ليل ونهار.. تذكرت السمك والمرأة في آن واحد..فالرجل حين يعجب بفتاة فإنه سرعان ما ينصب شباكه حولها ولأن الرجل لا يرد أن يصطاد المرأة بالصنارة كي لا تصبح الحكاية مكشوفة فإن الشبكة أحسن وشبكة السمك بالتأكيد غير شبكة المرأة تسألوني وما هي الشبكة التي اعدها الرجل للمرأة..؟!! أقول في ثقة للمراة ثلاثة شباك..شبكة الحب..شبكة المال..شبكة السلطة..فلمن تريد شبكة الحب أغرق عليها الكلمات والعواطف والقبلات والمواعيد إلى أن يلتهب خيالها بالقصص التي قصها على مسامعها وتريد أن تكون إحدى بطلاتها وتكون الفريسة أما شبكة المال فالمراة هي التي تجري لتدخلها بإرادتها ولا تدري أن الرجل ينتظر بفارغ الصبر أن تلتقط السمكة أقصد المرأة الطعم وتدخل لاهثة خلف المال معتقدة أنها تربعت على قلب الرجل وسوف يتركها تغترف منه كيفما تشاء ومتى تشاء لكن أيضاً في النهاية لا تجد سوى السراب وقلب محطم ملقى على أعتاب الخيانة لأن شبكة الرجل مملوءة بالمال تجذب سمكات كثيرة غيرها أما شبكة السلطة فهي أخطر الشبكات، فالمرأة حين تعشق السلطة فهي تضحي بكل شيء من أجل الوصول إليها، فسلطة الأنثى سلطة من نوع خاص سلطة تجعل المرأة ملكة وأميرة ونجمة ومعبودة.. وقد نست شيئاً هاماً أنها وصلت للسلطة بعد أن أعطت للرجل أشياء كثيرة أولا تنازلها وبإرادتها عن براءتها وعفتها وكرامتها وغالباً ما يتحول طعم السعادة إلى طعم الهم، والأحزان، وتبتعد المرأة عن أي شبكة بل تصاب بعقدة نفسية كلما تذكرت الشبكة التي وقعت فيها..وطعم السعادة يذكرني بهيام امرأة في الثلاثين أرملة، توفى زوجها تاركاً لها ولدين كان جمالها يصيب النسوة بالغيرة منها على أزواجهن وذاقت الأمرين فإن هي تزوجت تركت الولدين يتذوقان كافة أنواع العذاب من أسرة الزوج الراحل فالطفل بلا أم في الأسرة الكبيرة يصبح يتيماً لكن وجود أمه في العائلة يمنحه الدفء ويعطيه الحماية ويجعل الآخرين يهابون هذا الطفل فيظل حقه محفوظاً إلى أن يتزوج لذلك أرى الكثيرات من النساء الأرامل اللاتي لازلن في بداية حياتهن الزوجية يرفضن الزواج رفضاً لا رجعة فيه فمن يا ترى تلك المرأة التي تسمح لزوجها أن يهين أبناءها ويتحكم فيهم لذلك كانت هيام رغم رفضها الزواج تحن إلى زوج يحميها من ألسنة النساء والرجال في هذا المجتمع المغلق الممل الذي بدأت تمله وتكرهه إن المرأة لها طاقة وهي فاض الكيل منها وطفح وعاشت قصة حب مع جعفر جارها السائق الوسيم صاحب السيارة النقل والعيون الخضراء وزوجة تشبة الغراب أصباها البرص فأصبح شكلها يصيبه بالغثيان بل هجرها وترك لها منزل الزوجية واستقر عند أمه الأرملة التي طفشت من زوجته لبذاءة لسانها إلى غير رجعة وأحبته هيام بكل كيانها وشاهدتها النسوة ورآها الرجال تجلس في كبينة السيارة النقل ذاهبة وآتية من السنبلاوين وعندما واجهتها النسوة في الغيط واتهمنها بالعشق كما اتهمن امرأة العزيز فلم تدافع عن نفسها وقالت في بجاحة وماله باحبه وبيحبيني هو أنا شبت وإللي لسه في سني مدخلوش دنيا يالله دكوا داء الميه يا نسوان الهم كل مَرَه في نِفْسِها تعمل زي كده بس جبانه.. هتجوزه.. و إللي يقول يقول.. هو جعفر وحش.. كفاية إنه هيتجوزني على سنة الله ورسوله.. لقد ذاقت هيام طعم السعادة المتمثل في الحب لقد أعطاها جعفر هذا الوعد.. وسلمها مفتاح قلبه.. ومفتاح السعادة وكان الطعم هذه المرة الحنان الذي أغدقه على الولدين.. وصحبته لهما.. كلما غدا أو راح ونسا أولاده وتذكرهما واشترى لهما الهدايا والحلوى فانتظره الولدان على نار أما هيام فكانت لا تنام وتظل ساهرة إلى أن يعود في آخر الليل فيعطيها كلس فيقفز قلبها من صدرها راقصاً وهاتفاً متى الزواج يا حبيبي فيأتي يقف تحت الشباك ويناولها حلاوة للولدين فيشق الصدر نهراً من الحنان لم تعرفه على يد الزوج الراحل وسرعان ما دّبت المشاكل بينها وبين أسرة المرحوم وخيروها ما بين الولدين أو جعفر فقالت في بجاحة وتحدي ولادي وجعفر.. فقالوا في تحدي أكتر من تحديها: خديهم وملكيش عندنا حاجة خلي جعفر يصرف عليهم وإياكي تطلبي إيراط واحد صرخت وطاول صراخها عنان السماء ليه..؟!! فدانين هاسبهم..؟؟!! هاخدهم بالمحكمة.. إبقي قابليني.. انا الوصي على ولاد أخويا وهقول القاضي دي بتحب وعاشقة يا فضيلة القاضي سابت ولادها واتجوزت وخلي الجواز ينفعك.. لملمت ولديها تحت ذراعيها ونظرت إلى عينيهما ووجدتهما يكبرنان فجأة فالولد في الريف يكبر بسرعة.. يفهم.. فهو ينام في حضن الأبوين، يتعرف على علاقتهما بحكم الاقتراب وهو ذكي أذكى مما يتصور الأبوان ويلعب الجهل دوره لتكتمل الدائرة ويخرج الطفل يحمل في ذاكرته مشاهد لا يجب رؤيتها لكنه يصمت لأن هذه العلاقة طبيعية بين أمه وبين أبيه وعمه وزوجته وعمته وزوجها لكن آخر شيء يتوقعه أن تفعل هذا العمل القبيح مع رجل غير أبيه، تبادلت هيام نظرات من نوع معين مع الولدين ولأول مرة تشعر أنهما كبرا فجأة وإذا أحمد الكبير يقول لها: اتجوزي يا أمه بس أنا مش هسيب الدار وقال علي: ولا أنا يا أمه إحنا هنفضل مع أبويا الحاج ومن عشرين عام وهي بلا زواج تكتم أناتها بين ضلوعها ودفنت قلبها في ثرى الذكريات وربت الولدين بلا ضجيج.. حكاية سمعتها حين وجهت لي دعوة لزواج ابن هيام الكبير أحمد.
 
أنشأ هذا الموقع ويدير تحريره الكاتب الأديب مجدى شلبى