من جدتي تعلمت أول درس البنت مسيرها للجواز فرحت أبحث عن عريس مناسب وعشت قصة حب مع ابن الجيران والحب في مدينتنا له رائحة كرائحة الصيادية ففاحت رائحته وحين تشمه الجيران حكموا عليه بالإعدام وهو لازال طفلاً يحبو يلتقط بأصابعه حبات الحلوى وأشياء أخرى. ذهبت لجدتي أم علي بعيون محمرة وشعر منكوش وجلباب تفوح منه رائحة السمك والحب.. قرصتني من خدي وقالت كبرتي يا زيزي..اصطبري قليلاً لازلت صغيرة.. تعليمك أفضل.. انهمرت كل دموع الأيام فوق خدودي فازددت جمالاً. قالت "أم علي" لا تبكي.. كوني مثل جدتك مهما فعل الزمان لا تبكي.. جدتك عانت من جدك والحب والشوق والهجر.. حطمها الشوق بمجداف حامي جدتك كانت كالحلة تغلي وتفوز وتتأجج كاد الغليان أن يطير بغطاها مرات ومرات لكني أصبر على هجر حبيبي ولا أبوح فالبوح يعني أني لشماته أعدائي أستسلم.. يا ابنتي ما أقصد أن تأتي بسيرتك النسوة حين يهل الليل ويصعد قمر العشاق ليسمع ويتسلى بالأحباب حين تئن وتبكي شكواهم مرات.. كنت أصعد لسطح الدار أحكي للقمر حكايتي دون أن أخجل كان القمر صديقي منذ كنت صبية بضفيرة شقراء كأشعة شمس ذهبية قلبي كان لازال أخضر في خضار اللبلاب المتدلل فوق الغصن.. قالوا إني أصبحت عروساً أمي منذ ميلادي تجهز تحت سريرها النحاس حزمت سلالة وملاءة سرير ربطتها عن آخرها فيها ملابس حرير كل الألوان وأواني زجاج تبرق وأكواب مذيلة برسومات تبهج صرت عروساً أخطف أبصار الصيادين.. وحبيبي جدك محمد كان أجمل صياد فيهم تعشقه كل الجنيات لم أره إلا يوم زفافي كنت صبيه في الثانية عشرة لم أبلغ ورأيته صرت مبهورة أعشقه أكثر من كل الجنيات كان يناديني فأذوب لا أسمعه إلا حين يهزني كان رجلاً يعرف كل تفاصيل العشق. كان عجيباً وقريباً وحبيباً يغضبني فتسود كل فراشات الحلم في عيني وحين يناديني كي أصعد لفراشه. تزدان عرائس الحب وترقص وتقفز.. تتطاير تحملني إليها حملاً.. يأخذني بين يديه فأصير نوراً وناراً علمني كيف أحب.. صياد.. مهنته الصيد علمه السمك كيف يراوغ ويثابر حتى يأتيه طواعيه علم قلبي الحب وأعطاني أحلى هداياه.. أطفالاً تتشبث بذيل ثيابي وتناديني أمي أعشقهم أكثر من روحي وكثيراً ما نظرت لقمري أسأله بربك وبربي من هذا الرجل الأسطورة لا تحرمني وتمر الأيام تتبعها الأعوام وأنا ومحمد كل يوم أتعلق به علمني كيف أغار عليه وكيف بين طيات الشوق أنتظره.. أتسمَّع وقع قدميه حين يعود في الليل فأجرى ملهوفة أحتضنه وأبكي لفراقه علمني أن أرتاب حين يعطيني ظهره وينام لا يسأل عني يطلب مني أن أتركه وحده أبكي وأسأل هل تزوجته إحدى الجنيات صارت متعتها أكثر بكثير من متعتي عنده. مزقني الشوق وحطمني لهيب الغيرة وفي العام العشرين لميلاد الحب في قلبي.. قالوا: محمد تزوج "وداد" جارته في الشادر أصبح محمد تاجراً كبيراً للأسماك بأصابعه يلبس خاتم من فضة وخاتم من مرجان كان يلقي بشباك رجولته على كل امرأة تتعامل معه و"أم علي" على أذنيها تنام لكن ما تعلمه تماماً أن أنوثتها تتناقص يوماً بعد يوم أمام عينها.. وأحب وداد فتاة السادسة عشرة ربيعاً فتاة من عمر "تفيدة" ابنته سحرته وداد بات أسير العينين السوداء والشعر الحالك كظلام الليل فتنتها طاغيه جعلت قلبه يتناثر تحت قدميها ويصرخ من فعل العشق بأوصاله.. كيف يتخلص منها من طغيان جمالها الآثر والفتان.. سوف يتزوجها.. شيء مكتوب على جبينه فهو رجل يؤمن بالله وبالغيب ومن أين منك الفرار يا وداد.."أم علي" تتيقن كل النسوة تؤكد محمد سوف يأتي بضره "أم علي" يا حسرتها ماذا تفعل لو ترك وسادتها وتوسد في الليل ذارع امرأة أخرى ونام بجوار امرأة أخرى في فراش واحد وغطاء واحد وآه حين يجتمع العشاق في الليل البارد في شتاء قارص امرأة تمتلك من الفتة والحسن آلاف الأميال بالفعل تزوجها ووضع بوابات الزينة في حارتها وأعلام من كل الألوان زفتها من دار أبيها لدار محمد.. دار جهزها بعيداً عن دار "أم علي" ليروق الجو وتشتعل أحلام الفتنة بين النهدين سيصوغ كلاماً من نحل غرامها المتأهج وسينسى أيام الزوجة الأولى الحافلة بليالي العشق سينسى المصباح المشتعل بالزيت ونوم الأبناء في دفء وهدوء يسبق عاصفة الشوق.. لكن "أم علي" فوق سطوح البيت لأول مرة تشكو الزوج الخائن وتنبت في دمها فيروس من غيرة وطحلب من حقد.. بيديها تشد العقد من رقبتها.. تتناثر حباته.. لا تجمعها تتركها تتدحرج.. تتخيل أين ينام محمد ووداد والليلة الأولى لزفاف البكر.. هل ينساها محمد.. هل تنسيه وداد أشواق سنوات عشرين ذاقت فيها طعم القبلات.. التصقت فوق شفتيها رحيقاً من عطر.. تهبط درجات السلم.. تلملم دمعات منحدرة تتساقط ندماً من أجل سنوات العمل تدخل في حجرتها وتسد منافذ كل الريح القادم بقدوم الفجر تغلقها تضع ترباساً محكماً وتقرر لن يفتح باب غرفتها ثانية لمحمد مهما مر عليها الدهر وسوف تكفنها أنوثتها بثياب الطهر..