خطة جديدة وأسلوب مختلف

من الطريق الزراعي للدار وضعت السلطة على رأسي محملة بالسمك البوري والحلوى الدمياطي وصابون معطر أحضره أبي من بورسعيد.. دخلت عليها مباشرة في وسط الدار.. كادت تهب من جلستها كي تضربني لأني تركت الدار بلا إذن منها.. وها هو النهار اقترب من الغروب وقبل أن تنهض وضعت السلة بين يديها توسلت إليها أن تسامحني فأنا ما ذهبت إلى بلدتنا إلا كي أحضر لها السمك البوري الذي تعشقه عشقاً وأردت أن أصنع لها مفاجأة.. أمسكت السلة قلبت الأكياس فتحتها.. اشتمت رائحة البوري.. اجتمعت النسوة ليصيب كل واحدة سمكة لكن هيهات انفرجت أسارير أمه نجيبة ودعت لي بالخير وقالت في حنان اسطوري يشبه حنان الملكة حين تهب شعبها منحة أو هدية قومي جهزي لعادل صنية تحت سريري نصف فرخة ولحوقي معمر وطبقاً من سلاطة وعيش رحالي وحادق على كيفك يالله همي قبل أن يأتي الزوج المتعب..وكأن دعوات أبي قبلت والمارد الهائج يستسلم.. بأمر الله والقرآن يقبع ساكناً يهدأ.. لا أكاد أصدق يا ربي.. ماذا أفعل خابت ظنون وتوقعات النسوان كي ينتظرن اليوم طلاقي لو طال غيابي أكثر من يوم قرار أصدرته أمه نجيبه اليوم سيتم طلاقها حين يأتي الزوج الغائب والخائب.. فالمرأة بهذا الشكل لا تنفع..في وسط الدار أسير ببطء وأمان وعلى رأسي حملت الصينية لزوجي لأول مرة أشعر أني أمتلك جزءاً من تلك الدار من اليوم أصبح من حقي أن أرفع غطيان الحلل الكبرى وأغرف وآكل بين النسوان ومن نفس ملاعقهم سآكل وعلى طبليتهم المنصوبة سأجلس ومن القلل المملوءة بمياه الطلمبات المالحة سوف أشرب.. وحين أتحسس شفتاي بلساني سأشعر أنهما بطعم الملح والعلقم.. وبطعم حياتي حين أفتقد الأهل والأصحاب والأصدقاء اليوم أبي يعلن موتي في بلدتنا ويعلن ميلادي في قرية زوجي لن أتحسر بعد اليوم على ثيابي الزاهية بألوان العشق وأظافري التي طالت منذ شهرين سوف تتقصف حين أقشر البطاطس ويختفي بياض يدي من تقشير الباذنجان والثوم وكميات البصل الذي أحضرها كل مساء من فوق سطوح الدار وسأجهز دلواً كي أنزح به الحوض الدافق بالماء ومداسي الجلد سأضعه في كيس وأحتفظ به حين تهل الأعياد أو شاءت أقداري وذهبت لطبيب حين أصبح حامل فأبي يقول سوف تحل كل مشاكلك حين يهل أول مولود سأعيش حياتي وآكل خبزاً ناشفاً ودقة مطحونة في الفرن وسأجلس في البراني أتسامر ويسامرني أطفال الدار أحمل كل الأطفال الرضع وأغسل وجوههم حين يبكون ويختلط تراب الأرض بالحلوى ويأكلون..سأعشق كل ذرة في الأرض الطيبة.. لن أنسى من اليوم أني بنت من نبت الأرض يرويني النيل الأسمر وأخاف على التقاليد وأنفذها بالحرف وأشتاق مع زوجي للحظة حب..عاد زوجي.. يرآني فلاحة أخرى يعشقها غير تلك البنت المتفرنجة بملابس ضيقة وماكياج يزعق بجمال فتان كانت ابتسامتي أجمل لون في كل الألوان أحمر الشفايف، نظرتي الحانية الراضية كحل رباني زاهي وأسناني كانت لامعة تبرق بالحب وبالشوق كاد حبيبي أن يذهل أن يرتاد سفائن حبي الهائجة بشراع السحر.. لم يعلم ماذا دهاني ومن غيرني ومن أعطاني همسات السحر.. لم يسألني عن أحداث اليوم لكن كل ما حيره شكلي وطريقة لبسي وكلامي. فلاحة كان يعشها في أحلام صباه الأولى وسادة ينام عليها حين تداهمه هموم الأيام فيرتاح ولأول مرة أتعلم شيئاً يسعد الأزواج في قريتي أقف وزوجي يتناول الطعام أضع براض الشاي فوق النار أجهز كوباً من الزجاج البنور النظيف يشرب زوجي ويضحك ينعدل مزاجه فالرجال في القرية لا ينعدل مزاجهم إلا بالشاي وصوت الشيشة يكرر فيكرر صوته بالضحكات وهمسات الحب المكنونة في صدر لا يعرف إلا امرأة تسكن عند غروب الشمس حين تحلب بقرتها وتغسل كل مواعيد الدار والمتبقي من الماء الساخن تغسل فيه قدميها المتعبتين بالحجر المصنوع خصيصاً لخشونة هذين الكعبين فتبر وبعد الاستحمام في الماء كحورية قادمة من أعماق البحر ترتدي ثوبها اللامع وغطاء رأسها المزركش والكحل الأسود الناعم في العينين.. حلاوة رباني هكذا أطلقن النسوة عليّ حين وضعت الكحل لأول مرة في عيني.. وضفرت شعري ضفيرتين تتأرجحان على ظهري في كبرياء..
 
أنشأ هذا الموقع ويدير تحريره الكاتب الأديب مجدى شلبى