أمل بنت شامه

قضيت ليلتي مؤرقة أفكر ما الذي أوصل فلذة كبدها إلى هذه النهاية المأساوية..؟؟ ما الذي جعلها تفكر في الزواج والإنجاب بعد أن كانت تملأ الدنيا مرحاً وفرحاً وهي طفلة.. إنها مازالت في التاسعة عشر من عمرها افترقت أمها شامة عن أبيها منذ تسعة عشر عاماً (19عاماً) أي بعد ولادتها بيوم واحد، لم يحتمل أبوها ولا جدتها أن تأتي لهما امرأة بأنثى جديدة تضاف إلى ست إناث أخريات وصرخت حماتها "الحاجة فضيلة" كفاية كدى عليها، اتحملناها كتير يالله على بيت أبوها ترتاح هناك شويه.. سكت عبد المعبود وانسكبت دموعه سكباً على عشرة الأيام، وبكم جلبابه مسح الدموع التي ألهبت خدوده وشعر بأن العالم كله ينهار من حوله في تلك اللحظة قال بعد سكوت طال "كمان مرة والنبي يا أمه" جاها مو يقصها صبرنا كتير إنت لازم تتجوز تجيب لك ولد يشيل اسمك، بدال ما تروح رمه من غير ذكرى قال وهو يعدل عصبة رأسه: ويحكم عليها شاله المتسخ ويتفرس في وجوه بناته المتراصة حول فراش الأم ويلمح وجه شامه زوجته تمد رقبتها وهي قابعة ترضع ووليدتها وتنتظر الحكم الذي يطلقه لكن الرجل لم يرد، ظل ساكتاً يلوك طعامه البارد في صعوبة دب الرعب في قلبها وفقدت السيطرة على أوصالها وصرخت نزيف يا بناتي إلحقوني.. صرخت البنات جرت واحده أو اثنتين منهن في الأزقة والحواري يبحثن عن "خالة حسنة الداية" وما علاقة الداية بالنزيف لقد حزنت شامة حزناً ما بعده حزن.. ليس لأنها أنجبت أنثى ولكنها تحب عبد المعبود وتعلم أنه دائماً يدافع عنها ويلملم بناته حوله لكن هذه الأم هي اللعنة التي أصباته وأصابت زوجته هي دائماً تقول وتعيد وتزيد وتجعله يكره البنات وخلفتهن جاءت خالة حسنه تجري فيه إيه يا ولاد مالك يا بت يا شامة..؟؟!! شدي حيلك أمال سخنوا يا بنات شويه رده وشويه عسل إسود ولخبطوهم على بعض وطعموها عشان الدم يقف.. جرت البنات فتحت الأم فمها في صعوبة تواجه الموت تتحداه من أجل البنات قامت من رقدتها تغسل دمها المسال على الفراش ويصل حتى قدميها وليدتها تبكي.. تجلس ترضعها، حماتها في حجرتها تغط في نومها بعد أن ألقت بقنبلة زواج ابنها وتشتيت البنات وبعد ليلة سوداء قضتها مع الموت نظرت شامة في الصالة بعد أن تعبت البنات ونمن إلى جوارها وتحت قديمها وعلى الأرض يدعون الله أن يرفع مقته وغضبه عنهن وعنها نادت شامه في هدوء على الزوج الحزين القابع في الصالة يتغطى ببالطو قديم وتظهر أقدامه المتسخة فعرفت أنه لم يستحم ولم يأكل، نادت عبده.. يا عبده.. يا أبو شربات.. لم يرد الرجل.. خافت انقبضت دبت صدرها.. شربات – هدى – ليلى – يا بنات.. قوموا شوفوا أبوكم.. جرت على الصالة خرجت الأم القاتلة تنوح.. ولدي فيه إيه.. قوم.. إلحقونا يا ولاد إبني عبده مات.. صرخات مدوية.. تشق سكون الصبح الملون بأحلام الصبايا، لقد حزن الرجل نام في الليل ولم يستيقظ في الصباح، لا حول ولا قوة إلا بالله، قالوا حزن علشان مراته جابت بت.. جلست أم عبده تبكي وتعدد.. ولدي.. كان نفسك في صبي.. جابت لك صبية والخيبة قوية.. ومين يجيبك تاني ليه..شامة تخطت محنتها وبقدر حزنها بقدركان شكرها لله إنه أنقذها من محنتها ماذا كانت تفعل لو تزوج حبيبها عليها وهي تعلم أن أمه لو قالت كله نفذتها.. ومن اليوم ستأكل وتحافظ على صحتها من أجل بناتها وحملت صغيرتها "أمل" وضمتها إلى صدرها ترضعها في حنان وخوف.. انزوت الحماة في غرفتها بعد أن أصابها المرض بعد رحيل الابن فعجل بموتها، فانطلقت شامة في الدار تبنى زريبه جديدة للمواشي وكلما جلست في المساء قصت عليهن حكايتها معهن وموت أبيهن يوم ميلاد أمل، كانت تحكي ولا يخطر لها على بال أن أمل تسمع وتشعر بالخوف إن هي تزوجت وأنجبت أنثى سوف تطلق وسوف يموت زوجها فراحت الأسئلة تلح على رأسها الصغير فهبت من نومها خائفة مذعورة قائلة أبويا.. أبويا.. أبويا..لم تعط شامة الموضوع أهمية واعتبرت ابنتها طفلة، مسيرها تكبر لكن يبدو إن الطفلة الصغيرة كبرت قبل الأوان، تشعر بالخوف والاضطرابات وراحت تسأل كل واحده تقابلها هل مات أبوكي بعد أن ولدتك أمك..؟!! لقد أصاب عقلها لوسة، وكانت تظل تسير هائمة على وجهها بالساعات وتبكي في الليل وتسأل عن أبيها متى يعود.. وحين وصلت إلى سن الزواج كانت سمعتها تملأ القرية والقرى المجاورة، أمل عقلها خفيف يا خيبة يا ولاد مع إن أمها شامة ست العاقلين.. بكت شامة وأقنعت ابنتها بأن ما حدث لأبيها مقدر ومكتوب وأنها بريئة من موته، كانت الأم تحكي في وادي والابنة تضحك وتبكي وتمسك بين يديها قلماً قائلة في بله افرض يا واد اتجوزنا وجبت لك بت هتعمل إيه..؟!! هتخلص..؟!!
 
أنشأ هذا الموقع ويدير تحريره الكاتب الأديب مجدى شلبى