رجل وأمل

أسدل الستار على حادث المنصة الشهير والذي راح ضحيته الرئيس السادات.. وكل يوم ينسدل الستار في دارنا على خناقات النسوان مع أمه نجيبه وباتت تكره الواحدة تلو الأخرى وتشكو من عدم تنفيذ أوامرها.. وأنهن نسوان ليس لهن كبير.. وكثيراً ما كانت ترسل في طلبي بعد أن أصبحت أبله في المدرسة أعلم الأولاد والبنات وأمسك بالميكروفون في الصباح لأتلو النشرات الإخبارية على الأولاد فكانت ثورة في خط العمد بكامله سبع بلاد الزهايرة وكفر الزهايرة وميت غريطة والتمد الحجر والمتوه والمخزن ومنشية بطاش وعزبة شرارة وكلها قرى تابعة لمدينة السنبلاوين – بمحافظة الدقهلية وكم كانت سعادتي حين بدأت النسوة في الدار تناديني بأبله زيزي.. يا حلاوة التعليم شيء تاني يا ولاد اللهم صلي على النبي ماشية زي الضابط.. آهي مخلفتشي وعايشه مبسوطه.. تعليقات النسوة في القرية من حولي زادتني ثقة وتفاؤل وجعلت أمه نجيبه تبحث لي عن شيخ مبروك يفك عقدتي يمكن أكون مكبوسة سألتها في مودة يعني إيه مكبوسه يا أمه نجيبه في لهجة الواثق..واحدة بتحقد علينا دخلت عليكي في الصباحية وهي طارحة قلت يعني إيه طارحة..؟!! قالت يوووه يا زيزي أنا كل ما أقولك كلمه تقولي يعني إيه طارحة يعني زي ما بتقولوا في البندر مسقطه عيل لسه في بيت الولد خوفت أن أسأله يعني إيه بيت الولد لكي لا يظهر جهلي.. استمرت في حديثها الودي قائلة الليلة إن شاء الله عادل هياخدنا للشيخ "مرسي" عند بلدتكم هناك في طناح بيقولوا عليه مبروك وناس ياما حبلت على إيديه لم أشأ أن أثبط من تفاؤلها ويكفي مشاعرها الطيبة وقلت يمكن تنفك العقدة على إديه صدفة..وفي المساء جاء زوجي يملأه أمل ما في حياة أفضل بعد أن خرج من العائلة الكبيرة بلا حبيب نصيب يذكر وتحدث معي حديثاً كله ود لأن أمه نجيبه أصبحت تحبني أكثر من بناتها ولأول مرة تقوله زيزي كلها فهم وحنينه الله يصلح حالها.ركبنا السيارة وركب معه ابن أخته الذي يشبهه كما لو كان توأمه تربى معه في غرفة واحدة وأكلا معاً ولعبا معاً كان لا يفارقه وتزوج ابن أخته قبله بشهرين فقط وأنجب ولدين ما شاء الله لم يحقد عليه أبداً بل كان يحبه ويبحث وعنه لو اختفى عن ناظريه قليلاً كان حمدي ابن أخته شريكاً لنا في كل أسرار حياتنا فيذهب معنا إلى الأطباء وها هو يجلس في المقعد الأمامي بجوار خاله في السيارة وركبت أنا وأمه نجيبه في المقعد الخلفي.. وصلنا إلى قرية طناح في العاشرة مساءاً في ليلة شتوية قارصة البرودة وسألنا عن مكان الشيخ فجرى خلف السيارة وأمامها أطفال كثيرون يدلونا عليه وحين وصلنا إلى المنزل وجدنا بوابة كبيرة فتحت عن آخرها لدخول السيارة فوجدنا سيارات في حديقة المنزل لم أدر كم عددها حيث اشتد الظلام ولم تظهر سوى لمبة أو لمبتين في شرفة المنزل الواسع.وفي الصالة وجدت كنباً بلدياً مفروشاً بألوان كرتون زاهية وقد جلس عليه حالات تتقطع لها نياط القلوب.. منهم من يعاني الصرع ومنهم من يعاني الشلل الرعاش وتساءلت في نفسي أين الطب إذن..؟!! هل يستطيع رجلاً أياً كان علمه أن يعالج مثل هذه الأمراض..؟!! جاءني صوت امرأة مسنة طحنتها الأيام تحمل على إحدى ذراعيها شاباً مترنحاً يعاني مرضاً نفسياً.. جعله دائم النوم والحزن.. قالت دى شيخ مبروك أول ما يحط إيده عليك هتروق وتبقى زي الفل.. ووجدت امرأة أخرى شابه لازالت في العشرين وزوجها في مثل سنها الجهل والفقر باديان على شكلهما قالت في أسى متزوجة بقالي ثمان سنوات ولم يأت الفرج بمعنى أنها لم تنجب للآن وواحدة جارتي جت للشيخ فحبلت على طول بعد ما فك العمل إللي كان مربوط على ذيل أرموط أهبل والله ما حد أهبل إلا إحنا.. ملت على أذن زوجي هامسة: هنستنى كتير..؟!! قال: استني.. يا حمدي اتصرف إنت شاطر.. تحرك حمدي ناحية الباب وأشار لمساعد الشيخ أن يتبعه فتبعه وبعد خمس دقائق غاب المساعد وبعد لحظات ناداني أنا وزوجي وأمه نجيبه في سرية فتيقنت أن حمدي نفحه مبلغاً من المال..وداخل غرفة الشيخ "مرسي" وجدنا العجب.. إنه ديكور لفيلم هندي.. البخور والأسواط وملابس الشيخ والقرط المتدلى من أذنيه والسبح التي يلبسها أدوار متتالية وجلبابه الأخضر المنثور عليه نجوم بيضاء وما أن جلست حتى جلجل صوته قائلاً: حلوه وبنت ناس وكلك رقه وإحساس محسوده من عين الناس.. منظورة نظرة سفلية وقرينتك غايرانه منك راحت ضرباكي فوق ضهرك منعت فيكي الذرية بتبكي ليل ونهار.. زوجك صبح منهار.. علشان صبي ولا صبية.. حي.. حي..خيم الصمت على المكان وتعجبت أم نجيبه وقالت في صوت خفيت: بركاتك يا شيخ "مرسي" لما قرأ آية الكرسي أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وربنا يديه ويزيده من علمه كمان وكمان فالموضوع واضح وضوح الشمس فالشيخ يعرف كل المعلومات عن طريق جواسيسه المنتشرين في الصالة وما عليه سوى الفراسة والتنبؤ فهؤلاء نوعية من البشر تتعرف كل يوم على كم هائل من الناس فالبنت العانس شكلها بيبان والمرأة العاقر كمان شكلها بيبان خبرة يا جماعة.. المشايخ خبرة..قالت حماتي قاطعة صمتنا وقاتلة خوفنا: كل كلامك صح يا مولانا.. والحل إيه.. إحنا تعبنا إيه الحل.. قالت الصوت المرعوش المهووس: فين الغموس.. قالت حماتي.. وقد أنبأناها متحدث رسمي عني: الغموس..!! قول كل شيء موجود فيه عسل وفيه فول ومن البصل فحول بس إنت قول قال في صوت متوحش كما الغول: أعوذ بالله من البصل ومن الفول ومن كل البقول يا ستي علشان يشرف عتريس لازم تفتحي الهويس لأجل الميه تبقى أنايه والعيال تلاقيهم كتير وتقولي من الدنيا نلت منايا... استمعت لكلام حماتي ورد الشيخ وأعجبنا كلامه وتيقنت أنه كان في نفسه يبقى شاعر لكن النقاد حاربوه لإن شعره مقصر فحلل الكلام بعيداً عنهم وقال الدجل أحسن وأقول كل يوم كلمتين لزبون أو إثنين وكإني في أمسية شعرية..أخرجني من شرودي قائلاً في سخرية موجهاً كلامه لحماتي فهمت يا ستي يعني إيه الهاويس..قالت حماتي في بلاهه: لا والنبي يا ابني وضح كلامك شويه قال الشيخ المشعور وقد تحول الظلام بفعل لمبات النيون الملونة إلى نور وصرخ في حركة تمثيلية يا مسرور: احضر الطبق البنور والكلب المسحور وشعلل البخور وانطق بالحق مش بالزور..جري يا مسرور بعد أن انطفأ النور وأشعل البخور وأحضر الطبق البنور وبعد أن عزم الشيخ وقرأ تعاويذ سحره المشهور.. قال: قربي يا صبيه وارمي في الطبق من الجنيهات ميه علشان الأسياد يرضوا عليكي وعليه والأمر عاجل وفي غاية الأهمية وبلاش تاكلي محشي وتقليه أحسن بقيتي تخينه والتخن ما يفدشي الذرية..اقتربت من الطبق ووضعت فيه المائة جنيه وتراجعت للخلف قليلاً فصاح الشيخ: ابعدي كمان شويه.. وكمان شويه.. وأخيراً شخص الحالة المستعصية وقال في عصبية.."حالتك يا حلوه ممرتشي أبدا عليه كلك أنوثة وذرية ومفيش عيوب خافية عليه لكن إللي ظاهر كلك نشاط وحيويه معمولك عمل على ديل قرموط خايب عايش حياة العزوبية ودي خيبة بصراحة قوية..حاولت أن أكتم ضحكي لكن تمالكت نفسي وأنا أرى أمه نجيبه تبكي بكاءاً حقيقياً وهي متأثرة تماماً وقالت: حنيه..وهانجيب القرموط دى منين يا مولانا دى شيء صعب تلاقيه دلوأتي عايم في قلب الميه قال الشيخ في ثقة ولا يهمك حالاً يحضر القرموط ويلبس الزعبوط ويرقص قدامك تايب بالعصاية والنبوت.. حي.. حي.. ... توووت.... تووووت... سبحانه الذي لا يموت..انطفأت الأنوار واطمأن المحتار ودقت طبول الزار وكل من كان في الذكر لبس هدموه بالمندار واتهز الطبق البنور ونبح الكلب المسحور فعادت الأضواء مرة أخرى للمكان وقال الشيخ في سعادة وسرور.. مدي إيديك يا حلوه في الطبق البنور.. ومديت إيدي وكشفت الغطاء فإذا بالقرموط يعود فانبهر الحضور.. وهللت حماتي من كتر فرحتها وكانهم أخبروها بأن مرات ابنها حامل وانفكت عدتها..ركبنا السيارة مرة أخرى في طريق العودة وأنا أتعجب من حال بلدنا أم الحضارة والفراعنه أول من عرف الطب وعالجوا العقم وبهروا العالم بفن التحنيط ولن أقول إننا عدنا للخلف ألف عام لأننا من ألف عام كنا أكثر وعياً وفهماً.. من هذا الشيخ..؟‍‍؟ وكيف استطاع أن يجمع ثروته عن طريق الجهل وعقول البسطاء التي تعطيه بسخاء وقد تيقنت أنه قادر على حل مشكلات الكون فالعانس تتزوج والمعوقه تنفك عقدتها.. والعاقر تنجب.. والمصاب بالصرع يشفى وكل من به مصيبه تزول..رنت في أذني عبارات الشيخ المشعوذة فشعرت أني مقهورة بعد الكتب الثقافية والنقدية أذهب للدجل من أجل الذرية.. ضحكت أكثر وقد انتابتني نوبة عصبية ولاحظت أمه نجيبه حالتي وقالت في سذاجه مبروك يا زيزي عقدتك انفكت.. وعجبي..
 
أنشأ هذا الموقع ويدير تحريره الكاتب الأديب مجدى شلبى