سافاري كان نموذجاً للشاب الفرنسي المثقف الذي شدته مؤلفات "جان جاك روسو" وبالأخص قصته "إلويز الجديدة" ذات الطابع الرومانسي قبل ظهور الرومانسية في الأدب الفرنسي و"برنارد سان بيير" في قصته "بول وفيرجني" التي تبرز قصة "روسو" إغراقاً في الرومانسية، وقد تأثر سافاريي بأسلافه الدرويد وشعراء القبائل الوثنية وكانوا يدينون بعقائد خرافية تحفل بحكايات السحر والأساطير وهو ما جعله يشب حالماً مولعاً بالمطالعة التي لم تلبث أن مهدت له آفاقاً في العالمين المادي والخيالي معاً، فاغترف من مؤلفات الإغريق ومؤلفاتهم ولقد بات سفاري مولعاً بالمصريين وحضارتهم، وقد جاء إلى مصر عام1773م ليستقر بها ثلاث سنوات فجال في ربوع الدلتا مسايراً النيل حتى مصبه في رشيد وفي ذلك يقول "بين احتشاد الأشجار الظليلة تتناثر أحواض الزهور التي يعبق بها الجو بأريجها العطر، رغم لفح الظهيرة فتجعل منها الفردوس الموعود للظامئ والعطشان على حين انزوى في إحدى الخمائل وسط الظلال الندية رجل يقبض بيديه على غليون طويل مفرغ من أغصان الياسمين وتخطر بن هذه الخمائل المخطيات الشركسيات الفاتنات اللاتي وفدن من بلادهن محجبات ثم ما لبثن أن خلعن العذار وتحررن من قيودهن وسرن يتأودون في خطى راقصة سريعة مترنمات بأنغام حانية منشدات أناشيد أسطورية تصف تقاليدهن القديمة ومتعهن في وطنهن الجديد، حيث تخالط سخونة الجو عبق زهور البرتقال وأريج الوردة العطرة لتثير فيهن كوامن الرغبة التي يعجزن عن مقاومة سلطانها.ترى كيف لشاب في مثل سن سافاري تفيض روحه رومانسية أن يقاوم كل هذا الإغراء فأغلب الظن أنه وقع أسير غرام مبرح على ضفاف النيل بالقرب من رشيد، ويمضي سافاري يصف الريف والقرويين أو بمعنى أدق القرويات اللاتي أعجبه منهن جمال تكوين أجسادهن وفطرة سلوكهن.. قامت أعواد البوص على شاطئ النهر كما تكدست الوديان بالمحاصيل وشارفت شجيرات الأرز على الحصاد ومالت لفحات النسيم بأعواد فعل الأمواج بسطح البحر، وشغل الفلاحون بري حقولهم بينما تدور البقرات بالساقيات... ما أبدع هذا السكون في بلاد النيل..!! وتذكرت سافاري كلما اشتقت للذهاب إلى الغيط حاملة رفيدة وفي يدي سهام ورأيت توافد الصبايا من القرى لجمع القطن وقد صنعت كل صبية لها جلباباً به عب كبير تضع فيه القطن إنه لمنظر بديع يوحي بالخير.استطاعت تلك المناظر وهذه البيئة أن تشكل إبداعي بيد من رومانسية وريشة فنان عشقت القرية متأخرة بعد أن شعرت بأن جذوري تنبت فيها تخرج شجراً.. صفصافاً يهفهف على شاطئ العمر الراحل في أدراج النسيان، لكني مع سهام ورفيدة سأبقى تمثالاً مرسوماً لا تنقصه لمسة... أعشق الحياة وأراها بعيني الأطفال تتراقص كالأزهار وترش عطور السحر في الأنحاء فتتساقط كل ربات العشق تتساءل همساً:.. هل عشقت هذه المرة حتى صارت ملكة تحمل بين يديها مفاتيح كنوز الأرض وتقسم بأن من يلمس يدها يصبح سلطاناً يشهر بين جيوش الحمقى هنا من حب وسيفاً من حكمة. هذه الأيام أنام كثيراً أسمع صوت البنتين ينادي وسهام تأنس لرفيدة ورفيدة فنانه بيدها ريشة ترسم رغم أن أناملها على حمل الورق والأقلام لازالت لا تقوى.. تعاندها سهام وتخطف لعبتها تلقيها في الماء فتبتل فتحزن رفيدة وتبكي فعروستها صارت مبلولة وسوف تكح وتموت كما قالت ماما وكلمة ماما صادقة دوماً.. ماما نايمة يا رفيدة.. ماما ترجع كل طعام تأكله ماما مريضة يا رفيدة.. ورفيدة لا تفهم، لكن سهام كانت تشعر بأن هناك سراً يجعل ماما في الغرفة لا تشاهد التلفزيون وسألتها مراراً هل أنت حزينة يا ماما..!! أمه نجيبه قالت أمك تجيب لك بنت كمان حزنت ماما لا تدري سراً للأحزان إلا الخوف القابع في الأحشاء هل تأتيني يا ربي بجنين بالقدرة يخرج ذكراً... الله أعلم قالتها النسوة لكن "فرحة" فلسفة أخرى قالت بنتان ثم الثالث ولداً فرح الزوج المتعب العشمان في الله أن يأتي الثالث ولداً تلك العادة يا سيدة الدار تورثناها أباً..... جداً.........ولداً كرهت الكلمة جداً.. فاتت كل الأيام.. لا أعلم هل كانت شهراً أم دهراً ماذا أفعل لو حملت أيامي وفاضت كالنهر لتلقي بشاطئة بنتاً..غاصت آهاتي بين ضلوعي وقالت فرحة لا تحزن يا عمي والمصحف ولداً.. وتعجل زوجي في عربته يحملني حملاً قبل الموعد وجاء طبيب الأسرة في الغرفة المكتظة بالأطفال في انتظار معجزة كبرى.. فرحة تسعل سعلتها المشهورة.. عايزين نأكل كباب.. يطير الزوج العشمان ليأتي بكباب الحاتي كله.. تلد الأبلة خيبة ثالثة تبكي المرأة تلو المرأة.. يا خبتك الناقعة يا أبلة..شيء اعتدت عليه لم أحزن وحملت الصغرى دائرة.. الوجة دائرة كأنها مرسومة ببرجل وعيون بلون الليل الطاغي فوق الأرض.. سمسمة لا يظهر فيها فم ولا أنف فرحتي بها كانت كبرى لم أعبأ بنظرات الشماتة وقلت ما أجمل صنع الله حين يأتيني وليدة تسخر من كل ملكات جمال الكون وتخرج لهن لسانها وتقول بصراحة أنا أجمل منكن ومنهن ومن كل أميرات الدنيا.